“التنكيت” سلاح المصريين لمواجهة الأزمات

فيتشر: أميرة بدوي- مريم خالد

وجهه بشوش، محفور على صدغيه خطوط الابتسامة التي لا تفارقه، فكلما توالت عليه الأزمات، واجهها بضحكته وخفة ظله المعتادة، وكأنها أقوى أسلحته، فلا يمكن أن تصادفه ولا تعرف أنه مصري أبًا عن جد.
لم يستطع أي عدوان أن يخمد تلك الضحكة، بل بالعكس من رحم الأزمات تولد خفة ظِل المصري المعهودة، فهي بمثابة ثقافة تنتقل في دم المصري بالوراثة ينتصر بها بكل الحروب المعنوية.
فنجد في العصر الفرعوني مدى تقديس قدماء المصريين للنكتة، حتى أنهم جعلوا لها إلهة وزوجوها لإله الحكمة، بل إن النكتة ثقافة مصرية منذ بدء الحضارة، فقد اعتقد المصري القديم أن العالم خُلق عندما أطلق الإله الأكبر ضحكة قوية، وأطلق ضحكة أخرى فظهرت السماوات السبع، وضحكة أخرى فكان النور، والضحكة الأخيرة خلقت الماء والروح.
وليس من الغريب معرفة أن أقدم نكتة في التاريخ أصلها فرعوني، يقول مضمونها: “كيف ترفع معنويات الفرعون حين يذهب لصيد السمك؟، والجواب أن ترمي أحد العبيد بدون أن يدري ثم تصرخ قائلًا: هناك سمكة كبيرة يا سيدي”.
ولم يتوقف إيمان المصري بالتنكيت والضحك إلى حد الثقافة فقط، بل استخدمها كوسيلة للسخرية من أعداء الوطن كحرب نفسية انتصارها مضمون.
فظهر ذلك عندما سخر المصري القديم من الهكسوس برسم الحيوانات، فهناك صورة يظهر فيها فئران تهاجم قاعة للقطط الفرعونية، وهذا إسقاط على أن الهكسوس مجرد فئران أمام عظمة الحضارة المصرية.
ولم تنتهِ سخرية المصريين عند الهكسوس فقط، فلم ينج الفرنسيون أيضًا، مما دفع “نابليون بونابرت” إلى تجريم النكت، ومن يُخالف ذلك يتم قطع رأسه في الحال، ومع ذلك لم تختفِ النكات المصرية.
وأثناء الاحتلال الإنجليزي ظهرت نوعية جديدة من المقاهي أطلق عليها المصريون “المضحكانة الكبرى”، حيث يجلس روادها؛ ليطلقوا النكات ويسخروا من المحتل مع إصدار كل قانون جديد، حتى قامت السلطات الإنجليزية بمحاولات عدة لإغلاقها، ولكنها بائت بالفشل جميعها.
وحتى في نكسة عام 1967 لم يطلق المصريون عليها هزيمة مطلقًا، ولكنها نكسة تسبق الانتصار، وهذا يدل على وعي الشعب المصري، والذي استخدم النكات والسخرية أيضًا؛ لمحاربة العدو نفسيًا وطمأنته حتى الهجوم والانتصار.
وفي العصر الحديث، ساعد التطور التكنولوجي في تطور فن التنكيت المصري، مثلما شاهدناه في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، فالمصري واجه الفساد بخفة ظِله التي غمرت مواقع التواصل الاجتماعي حينذاك.
حتى بالمواقف الحياتية إذا مر الشعب المصري بحادث مأساوي واستمعت إليه يقصه، فبالتأكيد لا يخلو حديثه من النكات والطرافة المعتادة، وكأنه شعب وُلد ليبتسم، حتى وسائل المواصلات لا تخلو من العبارات المضحكة التي تجبرك على الابتسام في يوم شاق.
فمثلما قال المؤرخ اليوناني، هيرودوت:” إن المصريين شعب ماكر، لاذع القول، روحه مرحة”.