خبير عسكري: إسرائيل ستظل دولة معادية لمصر مادامت تطمع في أراضي العرب.

د. هالة منصور: وسائل التواصل الاجتماعي نوع من أنواع الحرب الفكرية!

تحقيق: محمد رضا- عائشة مفتاح- يوسف جميل- فاطمة جمال- إيهاب علي

” أنا مش غلطان يا خواجة هو اللي بيقول إن الهرم بتاعهم مش كفاية سرقوا الأرض عايزين يسرقوا التاريخ كمان”

لم يكن هذا المشهد من فيلم همام في أمستردام مشهدًا عابرًا؛ بل كان رسالة واضحة من أسرة الفيلم للتنبيه إلى المحاولات الصريحة للتشكيك في أصول التاريخ المصري ونسبه لمن ليسوا بأهله، فلم يُجدِ اختراق الحدود نفعًا.

ففي الآونة الأخيرة توالت محاولات عدة لتغريب هوية وثقافة الشعب المصري، من حملات موجهة، وبث الشائعات، كذلك إنشاء تطبيقات تواصل اجتماعي تعنى بنشر عادات وثقافات غريبة على المجتمع، وأخيرًا تطبيقات التداول التي انتشرت بشكل كبير خاصة بين الشباب في الفترة الحالية، والتي تعرف أيضًا على أنها قوة ناعمة لحرب فكرية تحاول محو التاريخ، وتغريب الشعب المصري عن ثقافته وعاداته وتقاليده.

الحملات الموجهة

ويتمثل جانب من جوانب الحروب الفكرية في الحملات الموجهة من قبل عدة أطراف، كحملات الأفروسنترك، التي حاولت بعض الدول من خلالها تغيير التاريخ المتعارف عليه ومحاولة بث أن الملكة كليوباترا أصولها أفريقية، لزرع عرق الأفارقة في جينات وتاريخ المصريين، وما يماثلها من تحركات تحاول تشكيك الفرد في أصوله وهويته، وفي هذا السياق أوضح اللواء محمد الغباري، المدير الأسبق لكلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، أن حملات الأفروسنترك ما هي إلا حركات تدعمها الدول المستعمرة، وهدفها الأساسي هو تشتيت الشعب عن أفكاره وهويته، فمرة تبث أن المصريين أفارقة، ومرة أن المصريين عرب، لكن الحقيقة أن هوية المصري هوية مصرية فقط.

وتعتبر محاولات تزييف الحقائق وسيلة ضمن عدة وسائل تستخدمها الدول المُعادية للتضليل ومحاربة مصر فكريًا، ومن ضمن محاولات التزييف كان ما تبثه دولة الاحتلال عن مصر من خلال أفلامها على مدار سنوات مضت، وقد أوضح اللواء الغباري أن دولة الاحتلال لا تزال تعتبر هزيمة 1973م زلزال مدمر في الفكر الإسرائيلي، بالتالي تحاول محو تلك الهزيمة من تاريخها، وتزييف النصر، من خلال إقناع شعبها بعكس ما حدث، فمرة تبث أن حرب أكتوبر انتهت بانتصارها، ومرة تبث أن طرفي الحرب تعادلا، ومرة تحاول إقناع شعبها بأن تلك الحرب لم تنتهِ بعد.

حرب المعلومات

ومن جانب آخر، ظهرت حيلة مستحدثة، يتم من خلالها بث الشائعات، فباتت مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر وصولًا لأغلب فئات المجتمع، تنتشر خلالها اللجان الإلكترونية، والتي أفاد اللواء محمد الغباري بأنها تنشأ لكل طرف من أطراف الصراع، وتكون الدول المعادية هي الطرف المسئول عنها، والهدف من تلك اللجان هو تشتيت الفكر وخفض الروح المعنوية خاصة في أوقات الأزمات؛ لحملها العديد من الرسائل الهدامة، فمثلًا انتشار الشائعات مؤخرًا عن تطبيع مصر مع دولة الاحتلال، وهو خبر لا أساس له من الصحة، فمصر لديها معاهدة سلام عسكري مع دولة الاحتلال، بالتالي لم تقم بالتطبيع مطلقًا، وإنما هو مجرد خبر الهدف منه إثارة البلبلة وتشكيك الشعب في قيادته، فإسرائيل ستظل دولة معادية لمصر مادامت تطمع في أراضي العرب.

علي غرار ذلك الخبر حاولت دولة الاحتلال نشر أخبار مختلفة عن استيراد مصر للغاز الطبيعي من تل أبيب ولذلك الخبر هدفان واضحان لا ثالث لهما أولهما محاولة تشكيك الشعب المصري في قرارات قيادته وتشتيت شملهم، حيث من الشائع أن مصر هي التي كانت تقوم بتصدير الغاز الطبيعي لتل أبيب في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك وثانيهما محاولة تسريب فكرة أن مصر دولة مطبعة مع الكيان الصهيوني.

أما عن مصداقية الخبر فقد أوضح اللواء الغباري أن ما يتم هو عملية اقتصادية بين مصر وتل أبيب حيث أشار إلى استحالة تصديق ذلك الخبر موضحًا أن إسرائيل لا تملك مخزون كبير من الغاز الطبيعي بالتالي لا يمكنها تصديره.

تيك توك

وفي ظل العصر الرقمي، كانت وسائل التواصل الاجتماعي من أهم الوسائل التي استخدمتها الدول المعادية لمحاولة الوصول إلى الجيل الأكثر تأثيرًا على المجتمع، ومن أبرزها تطبيق “تيك توك”، والذي يحاول تغريب الهوية من خلال مقاطع الفيديو القصيرة، وفي هذا السياق أشارت د. هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها، إلى أنه ليس تطبيق تيك توك تحديدًا الذي يتم اعتباره نوع من أنواع الحرب الفكرية، وإنما وسائل التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها وتفاصيلها، وقد يكون الترويج لبعض الأفكار للتأثير على فكرة الهوية والانتماء يحدث بشكل أكبر وأسرع في الوصول من خلال تيك توك، إلا أنه يظل جزءًا ضمن إطار وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يتم اعتبارها مؤثرًا مباشرًا على الهوية، فهي تعمل على تغيير الصورة الذهنية عن المجتمع.

مواقع المراهنات

وعن منصة (1xbet) للمراهنات، والتي تعتبر حيلة ضمن الحيل الدخيلة على ثقافة وقيم المجتمع المصري، فهي كذلك تدخل ضمن الحروب الفكرية الموجهة إلى مصر من قبل دول معادية، بهدف تشتيت الفكر وتدمير تقاليد وقيم المجتمع وهذا ما حدث بالفعل في الآونة الأخيرة حيث انتشرت جرائم عدة بسبب تلك المنصة مثل مدرس الفيزياء الذي قتل إحدى طلابه من أجل حصوله على المال بسبب تلك المنصة.

في هذا الصدد فقد أشار فضيلة الإمام أحمد كريمة إلى حرمانية الرهانات لاعتمادها على المخاطرة والمقامرة، وذلك استنادًا لقوله تعالى في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، بالإضافة لأضرارها على مستوى الفرد والمجتمع.

وفي هذا السياق أشار د. عمار علي حسن، المفكر المصري وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، انخفاض المستوى الثقافي في المجتمع قد يدفع أفراد المجتمع إلى التعرض لمثل تلك المنصات بهدف تقضية الوقت، وكسب الأموال، وغيرها من الأهداف، بالتالي أصبح هذا المجتمع كالجسد ضعيف المناعة، قد يقدر أي فيروس خارجي على غزوه، إلا أنه من الممكن العمل على رد تلك المناعة للجسد الاجتماع المصري من خلال التعليم الجيد والتربية الجيدة، ومن دون تلك النقاط فلا يجب الإشارة إلى أي قوى خارجية تهدم المجتمع، لأنه لم يتم العمل على تثبيت جوهره.

وفي النهاية اتضح لنا من خلال التحقيق أن كل تلك المحاولات هدفها تفتيت وتشتيت هوية، وتدمير في سياسة الدولة الداخلية، وبث التضليل والشائعات لخلق نوع من التفتت المجتمعي، وكلها خطوات تتم وفق رؤى وتخطيط واعٍ من قبل العدو، الذي يهدف إلى سرقة العقل مما يسهل له سرقة الأرض بلا مقاومة.