خبير عسكري: ما يحدث في المنطقة هو تطويق وحربًا فكرية على مصر

خبراء اقتصاديون: الاقتصاد المصري يتهدد بسبب المندب وإثيوبيا

تحقيق: محمد رضا- عائشة مفتاح- رحمة علاء الدين- أميرة أحمد

إن الأمن القومي لأي بلد يمثل درجة عالية من الخطورة والحساسية، وبالأخص مصر، فقد وصفها نابليون بونابرت أنها “أهم دولة في العالم، من يمسك بمقاديرها يسيطر على العالم”، وهي عبارة تدل على خطورة وأهمية مصر في خريطة العالم.

وبسبب الموقع الجغرافي المتميز لمصر، كان لها العديد من الأبعاد تحت مظلة الأمن القومي، مثل: الأمن العسكري، والاقتصادي، والمائي، وغيرها.

فقد توالت عدد الأحداث في الفترة الأخيرة على كافة الأصعدة، وفي عدد من الاتجاهات من الشمال الشرقي، والجنوب، والجنوب الشرقي، بما يمس أمن مصر القومي عسكريًا واقتصاديًا، وكذلك حق المياه والحياة.

طوفان الأقصى وامتدادها

بدأت أحداث فلسطين الأخيرة في 7 أكتوبر 2023، إذ اخترقت كتائب القسام النظام الأمني لمستوطنات إسرائيل في غلاف غزة والمعروفة أيضًا بـ “القبة الحديدية”، الأمر الذي دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى شن العديد من الغارات على القطاع، مما أدى إلى تدمير قطاع غزة شمالًا وخروج جميع المستشفيات عن الخدمة وسقوط آلاف الشهداء، ونزوح البقية إلى الجنوب نحو رفح والشريط الحدودي المصري.

وعن تلك الحرب الدائرة في الشمال الشرقي للحدود المصرية، واتهام مصر بالتخاذل عن فتح معبر رفح لتقديم المساعدات، أشار اللواء محمود زاهر، الخبير العسكري واللواء السابق بجهاز المخابرات المصرية، إلى وجود اختلاف كبير بين الاتهام والواقع. فمن جانبها، مصر لم تمتنع عن فتح المعبر، والدليل على ذلك تراكم رطل من عربات المساعدات على أبواب المعبر منتظرة الضوء الأخضر من الأمم المتحدة للمرور لقطاع غزة.

قناة “بن غوريون”

وعلى الرغم من كل الأحداث الجارية والتصعيد في قطاع غزة، ظهرت العديد من الأقوال حول التمهيد لبعض الأعمال الإنشائية بقناة “بن غوريون” المزعوم إنشائها على الرغم من مخالفة الطبيعة الجغرافية لذلك، بينما أشار البعض إلى أنها حرب فكرية فقط.

وفي هذا السياق أشار اللواء حمدي بخيت، الخبير العسكري والمستشار السابق لرئيس كلية القادة والأركان، إلى أن إنشاء قناة مائية في تلك المنطقة أمر شبه مستحيل، وذلك بسبب الطبيعة الرملية للمنطقة، وكل ما ورد بخصوص هذا الأمر هو مجرد كلام دعائي الغرض منه حرب للمعلومات.

وقد أكد هذا إيهاب الدسوقي، الخبير الاقتصادي ورئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إذ قال إن حفر قناة مائية في المنطقة الفلسطينية لن يؤثر سلبًا على مصر، إذ تعتبر قناة السويس هي المجرى الأقرب والأسهل للسفن.

مضيق باب المندب

في صباح 19 نوفمبر 2023، هاجم الحوثيون سفن الشركات التابعة للاحتلال بحرًا وجوًا، وقد سيطرت قوات الحوثي على مضيق باب المندب لرصد أي سفن تابعة لقوات الاحتلال أو مساندة له، مما أثار التساؤل حول نتيجة سيطرة الحوثيين على المضيق بالنسبة لمصر.

وفي هذا الصدد أشار أحمد النجار، الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس مؤسسة الأهرام السابق، إلى وجود ذريعة تضامنية مع قوات الاحتلال الإسرائيلي وابتزازية لمصر ودول الخليج، بسبب إعلان الحوثيين أن السفن غير التابعة لقوات الاحتلال آمنة تمامًا ولا تواجه أي تهديد، فأصبحت مطالب الشركات التي تم منع سفنها من المرور في البحر الأحمر والقناة مفاداها إما المرور لجميع السفن بما فيها سفن الاحتلال أو المتوجهة له أو الموالية له، أو منع الجميع من المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس.

وأضاف النجار أن مصر والسعودية رفضتا الانضمام للتحالف المشبوه التي أعلنت عنه الولايات المتحدة بتشكيل تحالف من بعض الدول الحليفة والتابعة لها تحت مسمى “حماية الازدهار”، وهي تسمية زائفة ومثيرة للسخرية فالأكثر دقة للتعبير عن دور هذا التحالف هو “حماية تجارة ومصالح الكيان الصهيوني.

وهو ما أكد عليه اللواء محمود زاهر، أن السيطرة على مضيق باب المندب يُعد استغلال للموقف للتأثير على قناة السويس والضغط على مصر، وهو بالفعل ما حدث، إذ ذكر الدسوقي أن أعداد السفن التي تمر عبر قناة السويس انخفضت بمعدل 40%.

سد النهضة

ومن ناحية أخرى، مازال نزاع سد النهضة قائمًا، والذي يعتبر الملف الأخطر لتهديد أمن مصر القومي، وهدر حقها من مياه النيل، فقد أعلنت إثيوبيا في 5 يناير من عامنا هذا، أن أعمال بناء السد اكتملت بنسبة 94.6%، وعلى هذا قال اللواء حمدي بخيت إن الهدف الأساسي من بناء سد النهضة هو تعطيش مصر.

وقد أشار محمد محي الدين، المسئول الأسبق لملف مصر الإنمائي لدى الأمم المتحدة أن إثيوبيا تخزن في السد 74 مليار متر مكعب من مياه النيل، تخرج من السد وتتدفق بسرعة 750 كم في الساعة بارتفاع 25 ممتر في الخرطوم، مما قد يتسبب في إغراق الخرطوم بالكامل وإلحاق أضرار جسيمة بجنوب مصر.

وفي هذا الصدد أشار ضياء الدين القوصي، خبير مستشار وزير الري الأسبق، أنه بعد 12عامًا من المفاوضات المصرية الإثيوبية حول سد النهضة، لاقى فيها الجانب المصري تعنت شديد من نظيره الإثيوبي، فمصر الآن لا تمتلك سوى حلين، أحدهما ناعم والآخر خشن على حد قوله.

وقد أوضح القوصي أن الحل الناعم هو اللجوء مرة أخيرة للحلول السلمية من خلال إحالة ملف سد النهضة لمجلس الأمن على أمل ألا يتم إحالة الملف مرة أخرى إلى الاتحاد الأفريقي، أو اللجوء للتحكيم الدولي ومحكمة العدل الدولية للوصول لقرار مُلزم لإثيوبيا.

وأوضح أيضًا أن الحال الخشن ليس بالتدخل العسكري فقط، وإنما يمكن اتباع طرق أخرى مثل الضغط من خلال قناة السويس بسبب أحقية مصر لمنع مرور سفن الدول المُعادية في المجرى الملاحي وفقًا لاتفاقية 1988 المُنظمة لحركة الملاحة في قناة السويس.

الجانب السوداني

ومن ناجية الجنوب المباشر، تفاقمت الأحداث في السودان في الفترات الأخيرة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو والمعروف بـ “حميدتي”، فقد شنت القوتين حربًا على بعضهما منذ منتصف إبريل 2023، بما تسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وحدوث ما يقترب من المجاعة في الخرطوم وغيرها من مدن السودان.

وقد صرح اللواء محمود زاهر أن قوات الدعم السريع ما هي إلا منظمات إرهابية تعمل لخدمة مصالح أجنبية مختلفة، أولها تهديد السيادة المصرية من جانب دول مختلفة كالولايات المتحدة وقوات الاحتلال.

وفي سياق آخر فقد أوضح إيهاب الدسوقي، خطورة ما يدور في السودان على اقتصاد مصر؛ فوجود أي نوع من الأخطار الخارجية سواء إن كانت جماعات إرهابية أو أي قوات متحاربة على بعد خطوات من الأراضي المصرية، سيؤدي لا محالة إلى تأثير سلبي كبير على الاقتصاد المصري، وذلك من خلال التأثير على مناخ الاستثمار والمستثمرين الأجانب ومشروعات التنمية المستدامة التي يتم تنفيذها بالقرب من تلك المنطقة.

كل هذه الأخطار سواء العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية، أو حتى اللجوء لمنع المياه عن مصر، ما هي إلا محاولات للإطاحة بالقطر المصري بسبب أنها مدخل الشمال الأفريقي.