سامي حرك: اللهجة المصرية متكاملة الأركان، وليست مجرد لهجة
خبير أثري: الهوية المصرية استطاعت تمصير كل الحضارات
تقرير: أميرة بدوي
أثار مسلسل “الحشاشين” بطولة كريم عبد العزيز وتأليف عبد الرحيم كمال، جدلًا واسعًا حول اللهجة المستخدمة في الحوار بين أبطال المسلسل، وذلك بعد تناوله لسيرة حسن الصباح، زعيم الفرقة التي تأسست بالقرن الحادي عشر، واشتهرت بأنها الأكثر دموية في التاريخ، بالسباق الرمضاني الجاري.
وأثيرت النقاشات بالوسط العربي، ليست حول صحة الأحداث التاريخية، ولكن الغريب؛ أنها بسبب تحدث الشخصيات باللهجة العامية المصرية، بدلًا من اللغة العربية الفصحى، زاعمين أن العامية المصرية حديثة، وغير مفهومة.
بنتكلم مصري؟
وقد أكد سامي حرك، الباحث في التراث المصري، أن اللغة المصرية، هي لغة متكاملة الأركان، وليست مجرد لهجة، إذ أن اللغة القبطية القديمة لم تختفِ، بل تطورت مثلها مثل كل لغات العالم، فاندثرت مفردات، واندمجت مفردات أخرى.
وأضاف “حرك” أن من المؤسف القول بأن اللهجة المصرية حديثة أو غير مفهومة، فنجد أن العامية المصرية، هي اللهجة الوحيدة بكل لهجات العالم، التي يفهمها متحدثو باقي اللهجات، فمن الصعب إيجاد دولة غير متأثرة بها وذلك لعدة أسباب ترجع إلى هيمنة الثقافة المصرية ووجودها على مستوى العالم، أما على الصعيد العربي، يرجع ذلك إلى التوأمة التاريخية، والعلاقات الجيدة المتواصلة بين المصريين والعرب.
فعند دخول العرب مصر عام 642 ميلاديًا، كان لديهم معجمًا لغويًا مليئًا بالمصطلحات المصرية القبطية، ففي بادئ الأمر، اقتصر التعامل بالعربية على المعسكرات والمناطق التي استقرت بها القبائل العربية فقط.
فاللهجة المصرية لا تكمن عظمتها في تاريخها وأقدميتها فقط، بل في ثرائها الذي ليس له مثيل بأي لهجة أخرى، على سبيل المثال كلمة “إيد”، فبكلمة واحدة يمكن أن نستخدمها في عشرات المعاني المختلفة، فإذا قلنا “إيده بيضا” يعنى أن الرجل صاحب فضل ومعروف، “إيده ماسكة” بخيل، “إيده فِرطَة” كثير الكرم، “إيده طايلة” بإمكانه فعل أشياء كثيرة، “إيده طويلة” حرامي، “إيده خفيفة” نَشَّال أو شاطر، “إيده مخرومة” مبذر أو مسرف، و”إيده على قلبه” أي خائف، “إيدك معايا” ساعدني، “إيدك مِنُّه و الأرض” لا فائدة منه، “إيده تتلف في حرير” شاطر في عمله، “عصفور في اليد” فرصة جيدة.
العرق يمد لسابع جد
لم تكن اللهجة المصرية يومًا إناءً لمزج الثقافات، بل إنها لهجة مستقلة تنحدر من اللغة المصرية القبطية القديمة، فقد أكد عبدالرحيم ريحان، خبير الآثار وعضو المجلس الأعلى للثقافة، أن الهوية المصرية استطاعت تمصير كل الحضارات التي مرت عليها، فنجد أن المصري الذي مر عليه أكثر من 70 عامًا تحت الاحتلال الإنجليزي، غير الاحتلال الفرنسي و دخول الأتراك وغيرها من محاولات لطمس إرثه الحضاري، إلا أنه لا يزال حتى الآن صامدًا أمام تلك المحاولات، وذلك بخلاف أغلبية الدول العربية التي تأثرت بلغات دول الاحتلال، حتى أصبحت لهجتها الأم دخيلة.
فنجد أن كثير من المصريين لا يعلمون أنهم يتحدثون لغتهم، التي تمتد لسابع جد، وذلك ببعض المصطلحات الدارجة التي تعود أصولها إلى اللغة المصرية القديمة، وما يثير العجب، أن أول ما ينطق به الرضيع، هي كلمات فرعونية خالصة، وهي على سبيل المثال وليس الحصر، كلمة “مم”، وتعني في اللغة القبطية، كُل أي تناول الطعام، “أمبو”، وهو أول ما يقوله الرضيع عند إحساسه بالعطش، وفي اللغة القبطية تعني أشرب، “واوا”، و تعني ألم أو وجع في اللغة المصرية القديمة، وأيضاً نجدها في قاموس المولود الصغير، “بعبع” و هو اسم اعتاد قدماء المصريين تخويف الأطفال به، مثلما تستخدمه حفيدتهم مع أطفالها الآن، “بح” بمعنى انتهى، وهى من الكلمات المشهورة عند الأطفال، “تاتا” بمعنى امشي، وهى الشهيرة أيضًا عند البدء في المشي، فنقول: “تاتا خطي العتبة”، “بسة” أي قطة، و”فتافيت” ومعناها صغير جدًا، “نونو” وتعني طفل.
أما عن بعض الكلمات المتداولة الأخرى، نجد” طنش” تعني تجاهل، “حنطور” مأخوذة من كلمتين “حن” وتشير إلى كل ما هو جمع، “حاطور” ومعناها “أحصنة”، “حنفية” وتعني صنبور، “رُخ” ومعناها تتساقط، “صهد” معناها حار، و”أوطة” وتعني طماطم، “حات” بمعنى لحمة؛ ولذلك نطلق على الكبابجي اسم “حاتي”، وأيضًا نجد “بات” تعني في القبطية العظام؛ وهذا ما يفسر المثل الشعبي “نزل على الأكل حتتك بتتك”، أي لم يفرق بين اللحم والعظام من جوعه.
بالإضافة إلى، “شأشأ” وتعني يشرق، والتب شاع استخدامها في صعيد مصر، “بطح” أي ضرب في الرأس، “أر” ومعناها حسد، “دوشة” وفي القبطية تعني الصوت المرتفع، “عصلج” وأصلها في القبطية “إثلاج” وتعني التوقف عن الحركة، “زقطط” ومعناها مبتهج جداً.
لنأتي إلى الأشهر استخدامًا في اللغة القبطية القديمة، وهي “وحوي يا وحوي إياحه”، الأغنية الأقدم تاريخيًا للترحيب بشهر رمضان المبارك، وإذا بحثنا عن معناها، نجد أنها تعود للأسرة السابعة عشر، فهي جملة كان يستخدمها المصريون القدماء؛ للترحيب بالملكة “إياح حتب” أو “قمر الزمان”، والدة أحمس الأول قاهر الهكسوس، وفي قول آخر يذكر أن المصريين كانوا يخرجون للترحيب بالقمر مطلع كل شهر، مرددين “وحوي يا وحوي إياحه”، بمعنى مرحبًا يا قمر، حيث “وحوي” تعني مرحبًا، و”إياح” تعني القمر.
لهجة القوة الناعمة
على الرغم من احتواء العامية المصرية على لهجات فرعية، منها اللهجة الصعيدية، التي يتحدثها أهل الجنوب، واللهجة الإسكندرانية، غير اللهجة البدوية والريفية، إلا أن العامية المصرية هي الأكثر شيوعًا وفهمًا بكل لهجاتها في جميع دول الوطن العربي بأكمله، على عكس اللهجات الأخرى، كاللهجة الخليجية، أو لهجات دول شمال إفريقيا، فنجد أن استيعابها صعب على غير الناطقين بها.
ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب، التي تتمركز جميعها حول تأثير القوة الناعمة المصرية، والتي تخللت في وجدان كل عربي عن طريق العديد من الأساليب، ولعل أهمهم ريادة مصر بصناعة السينما والدراما التليفزيونية، والتي تعد أبرز أسلحة القوة الناعمة المصرية، ولا سيما مع هيمنة الصناعة المصرية للأفلام السينمائية والإنتاج الموسيقي، إذ قدمت مصر رصيد هائل من الأفلام القديمة بالأبيض والأسود، التي ناقشت جميع القضايا التي تمس كل مجتمع بالوطن العربي، بالإضافة إلى أفضل المطربين الذين ذاع صيتهم على مستوى العالم، فمَن بالوطن العربي لا يعشق أم كلثوم أو يدندن للعندليب الأسمر؟، كل هذا ساهم بدوره في استيعاب العامية المصرية بكافة ربوع الوطن العربي.
وبالعودة إلى الخلف قليلًا، وبالتحديد في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، نجد أن للبعثات المصرية التي كانت ترسلها الحكومة للدول العربية؛ لتعميرها بعد تخلصها من الاحتلال، تأثير كبير في شيوع اللهجة المصرية، بسبب كثرة التعامل مع المصريين، وانخراط شعب البلد العربي بالتعامل معهم، اعتادوا اللهجة المصرية بشكل أيسر.
ولكن يبقى السبب الأقوى، هو أن العامية المصرية خالصة، أي أنها لم تخالطها ألفاظ أجنبية تأثرًا بالاحتلال، فالمصريون لم يتأثروا، بل أثروا في ثقافات كل مَن مر عليهم، فلم ينجح المحتل في فرض ثقافته على المصريين، بل نجد أن الهوية المصرية كان لها الكلمة العُليا، مما أدى إلى لجوء جنود الغزاة إلى تعلم اللهجة المصرية “المكسّرة”؛ كي يستطيعوا التعامل مع المصريين.
بين العراقة و البساطة..اللهجة المصرية مرجع الثقافات
Sign in
Welcome! Log into your account
Forgot your password? Get help
Create an account
Create an account
Welcome! Register for an account
A password will be e-mailed to you.
Password recovery
Recover your password
A password will be e-mailed to you.