بين محاولات السرقة والتمسك بالهوية
المطبخ المصري يضرب المثل بتفرده وقِدمه

السويسرول والكرواسون أصولهم مصرية
البامية نُقشت على معابد الفراعنة

تقرير: أميرة بدوي- مريم خالد

لم تكن ثقافة المطبخ المصري تعتمد على تقديم مأكولات شهية فقط، وإنما يعتبر المطبخ جزء من ثقافة الشعب، والطعام صورة حية من صور الثقافة، إذ يعبر الطعام عن الهوية الثقافية لكل مجتمع والتغيرات التي تطرأ عليه.
وترتبط الأكلات بالمناسبات أيضًا، فنجد لكل مناسبة طعامًا خاص بها، بل وارتبط المطبخ بالأمثال الشعبية والحِكم كذلك، فالمطبخ المصري ليس مجرد وصفات طعام ومكونات وبهارات، بل هو هوية وتراث.

“على الأصل دور”
على الرغم من توافد العديد من الاحتلالات والثقافات المختلفة على مصر إلا أنها تمسكت بهويتها في المطبخ فغالبًا ما تتأثر الدول المحتلة بثقافة الدولة المُغيرة، إلا أن مصر ظلت محتفظة بثقافتها في كل شيء حتى الطعام، بل وأثرت في دول الاحتلال.
فنجد أن “السويسرول” الحلوى الإنجليزية، أصله فرعوني، إذ تم العثور عليه في مقبرة الملك “رمسيس الثالث عشر”، وقد عرفه الإنجليز أثناء فترة تواجدهم في مصر، وكذلك “الكرواسون” الفرنسي الشهير، وحلوى “الميل فاي”، عُثر عليها في نفس المقبرة، والعديد من المخبوزات الأخرى التي عرفت على أنها أوروبية، وإذا عُدنا بالزمن، وبالتحديد العصر العثماني، نجد أن المصريون أول من عرفوا القهوة، وأثروا في الأتراك، فأحبوها وأطلقوا عليها فيما بعد “القهوة التركي”.
وتعتبر مصر رائدة في مجال الطهي بالعالم، إذ وجدنا أن كتاب “كنز الفوائد في تنويع الموائد” هو أقدم كتاب طهي في العالم، مصدره مصر ويعود للقرن الرابع عشر الميلادي.
بالإضافة إلى اكتشاف المصريين للعديد من أنواع الخضروات، التي أخذها العالم عنهم فيما بعد، أبرزها “البامية”، التي نقشت على جدران المعابد الفرعونية، وانتشرت بعد ذلك إلى باقي مناطق الشرق الأوسط.
“كل فولة ولها كيال”
وترتبط كل مناسبة في مصر بأكلة معينة تميزها، وخاصة المناسبات الدينية والاجتماعية، مما يمثل دليلًا على تمسكنا بهويتنا الثقافية المتمثلة في المطبخ المصري في ظل دخول العديد من الأكلات الغربية، ولكن الأكل المصري، وخاصة المرتبط بالمناسبات مازال محتفظًا بأصوله.
فيُعد “الأرز باللبن “من أهم أطعمة المطبخ المصري المنتشرة في كافة أنحاء مصر، وغالبًا ما يرتبط بالمناسبات الاجتماعية والدينية، كما يعد رمزًا للتفاؤل؛ لذلك عادة ما يتم توزيعه عند الاحتفال برأس السنة الهجرية، والاحتفال بسبوع المولود وغيرها من المناسبات السعيدة.
ولا يمكن نسيان “الكنافة” و”القطايف”، فهما من أهم وأشهر حلويات المطبخ المصري المرتبطة بشهر رمضان الكريم، “فالكنافة” قديمًا، كان يتم تقديمها في شكلها التقليدي، ولكن مع تطور المطبخ ظهر أصناف جديدة منها مثل: كنافة بالشوكولاتة وكنافة بالمانجو، وأما بالنسبة “للقطايف” فقد عرفها المصريين منذ العصر الفرعوني.
وأما عن “كحك العيد”، فهو المخبوزات التي يتم إعدادها للاحتفال بعيد الفطر وعند الزواج، وغالبًا ما يقترن إعداده بتجمع النساء للمشاركة والسمر، كما يسود الإعداد جو من المرح والبهجة، وفي مناسبات الزواج يُرسل مع “جهاز العروسة” إلى منزلها لتقدم منه للزوار الذين يأتون مهنئين العروسين بالزواج.
بينما يشتهر عيد الأضحى “بالرقاق” و”الفتة”، “فالرقاق” هو نوع من المخبوزات الشهيرة بالمطبخ المصري، ويتم إعداده بالمناسبات غالبًا.
“مش كل من رص الصواني، حلواني”
وبسبب ثراء المطبخ المصري، ليس من الغريب أن نجد محاولات لتقليده من المطابخ الأخرى، ولكن ما يثير التساؤلات، هو انتهاك وسرقة هوية المطبخ المصري ونسبه لغير أصله.
ولعل أبرز هذه الادعاءات محاولة نسب “الطعمية المصري” للمطبخ الإسرائيلي، وظهر الصراع على “البقلاوة” حتى وصل الأمر إلى محاولات اليونان وتركيا، لتوثيقها في “اليونسكو”، ولكن بلا جدوى؛ لعدم توفر أي أدلة، مثلها مثل معظم الحلويات المصرية التي يتم التلاعب في أصلها ونسبتها لبلاد الشام.
ونالت الإشاعات “الفطير المشلتت” أيضًا، فنشرت جريدة “ذا نيو يورك تايمز” الأمريكية، طريقة عمل “المسمن المغربي”، وهو الفطير المشلتت المصري، الذي تم اختراعه من آلاف السنين، والعثور عليه بمقبرة “رمسيس الثالث عشر” منذ ٣٠٠٠ عامًا، ولكنه تم تقديمه بمُسمى آخر ونسبه إلى دولة المغرب.
ليأتي الدور على أشهر طبق مصري “الملوخية”، لتشن اليابان حملات؛ لتسجيل “الملوخية” كاختراع ياباني، وقاموا بإدخال “الملوخية” في جميع أكلاتهم؛ حتى يتمكنوا من الوصول إلى سر طبق “الملوخية” المصري، ولكن باءت بالفشل كسابقتها.
“إدي العيش لخبازه”
لم يتمكن أحد من الوصول إلى سر هذه العراقة، ولكن استطاعت هوية المطبخ المصري بما حظيت به من إعجاب إلى نشر ثقافتها بين أرجاء العالم، متمثلة في مطاعمها الشعبية التي وصلت للعالمية بالطبق المصري.
ومن أهم هذه الأطباق، هو طبق “الكشري المصري”، والذي استطاع به مطعم “أبو طارق”، الوصول للعالمية.
فوفقًا لموقع Tasteatlas احتل كشري “أبو طارق” المركز الـ ٦٤ ضمن قائمة أشهر ١٠٠ مطعم على مستوى العالم، والمطعم العربي الوحيد بالقائمة، وليست تلك الجائزة الدولية الوحيدة، بل إن “أبو طارق” يعد أول مطعم يدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، كأكبر طبق كشري بالعالم عام ٢٠١٥، بقطر ١٠ أمتار وارتفاع متر و٢٠ سم، ووزن أكثر من ٨٠٠٠ كيلو، بعد المنافسة مع أكثر من ١٠٠ مطعم مختلف على مستوى العالم.
وباستكمالنا لأشهر المطاعم المصرية، التي حملت لواء الطبق الشعبي المصري عالميًا، نصل عند “الفول” و “الفلافل”، والذي تميز بهما مطعم “زوبا” بجانب قائمة من أكل الشارع المصري المميز. واستطاع الوصول للعالمية بفرعه في مدينة نيويورك.
وغيرهما الكثير من المطاعم التي استطاعت الطواف عالميًا بالطبق المصري، فالمطعم ليس هو الحدث، ولكن الحدث هو الطلب العالمي على ثقافة المطبخ المصري بكل العالم.