المقاطعة سلاح ذو حدين!
خبير اقتصادي: الدولار سيتأثر بالمقاطعة

تحقيق: آية يسري-هاجر رمضان- هدير هشام

بدأت حملات مقاطعة المنتجات الأمريكية والدول الداعمة للكيان الصهيوني منذ أكتوبر 2023، وذلك ردًا علي العدوان الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، إذ ساهم هذا العنف في إثارة غضب الشعب المصري وانتشار دعوات مصرية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو الدول الداعمة لها في الحرب على قطاع غزة، مما تسبب في زيادة الطلب على المنتجات المحلية البديلة، ودعم الشركات المحلية؛ الأمر الذي قد يساهم في تعزيز الصناعة المحلية وزيادة الاستثمارات في هذه الصناعة.
والجدير بالذكر أن هذه الحملات لم تبدأ في ذلك الوقت فقط، فقبل ٨ سنوات تقريبًا بدأ مجموعة من الشباب في تأسيس حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في مصر ليصبح جزءًا من حملة دولية بدأها فلسطينيون من عام ٢٠٠٥.
تأثير المقاطعة
قاطع أغلب الشعب المصري هذه المنتجات، وبدأ البحث عن البدائل، ومع كل تلك الأحداث ظهر سؤال؛ هل تؤثر المقاطعة على الاقتصاد المصري؟
فأجاب عن هذا سيد خضر، الخبير والمحلل الاقتصادي، وقال إن المقاطعة سلاح ذو حدين، إذ أنها تضر الاقتصاد القومي في مصر، بسبب عدم وجود أي استثمار بين مصر وإسرائيل، لأن الشركات العالمية مثل ماكدونالدز شركات عابرة للحدود، كما أن الدولة تعمل على جذب أكبر عدد من الاستثمارات لتعمل على أرض مصر التي تسمى عند هذه الشركات بالدولة المُضيفة، وبالتالي مقاطعة هذه الشركات تنعكس بشكل كبير على الاقتصاد الداخلي لمصر.
وأضاف أن هذه الاستثمارات تعمل على توفير فرص عمل، لأن من شروط مصر في هذه الاستثمارات أن يكون ٩٠% من العمالة في هذه الشركات عمالة مصريةـ وهو هدف من أهداف الدولة لخفض نسبة البطالة والفقر فيها.
وبناء عليه، تعالت الأصوات المطالبة بإيقاف حملات المقاطعة كون أنها تتسبب في ضرر للاقتصاد المصري؛ إذ أن الوكيل في مصر لا يدعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة، وفي أغلب الأحوال من يدعم إسرائيل هو الوكيل في إسرائيل أو الشركة الأم التي ارتفعت أسهم شركاتها عالميًا في مؤشرات البورصة الأمريكية. وقد تحمل حملات المقاطعة الحالية العديد من الآثار والتبعات السلبية من وجهة نظر بعض الخبراء والمحللين.
الفرنشايز
كما يجب أن نفرق بين نوعين من المنتجات، الأول هي تلك المنتجات المستوردة والتي تنتج من شركات قد تدعم الحرب على غزة، والثاني عبارة عن منتجات لشركات مملوكة لمستثمر محلي حاصلة على امتياز أو حق استخدام العلامة التجارية للشركة الأم، وتنتج وتصنع بداخل الدولة المصرية وتوظف عمالة مصرية، أو ما يعرف بـ “الفرنشايز”.
ووفقًا لبيانات الغرف التجارية المصرية تقدر حجم “الفرنشايز” في مصر حوالي80 مليار جنيه استثمارات مباشرة، و90 مليار جنيه استثمارات غير مباشرة، بإجمالي 170 مليار جنيه استثمارات حاليًا في “الفرنشايز” ما بين العلامات الأجنبية التي تستثمر في مصر أو العلامات المصرية.
ويعمل حاليًا بـ “الفرنشايز” حوالي مليون ونصف عامل، كما أن له روابط أمامية وخلفية بالعديد من القطاعات الأخرى بما يوفر أيضًا العديد من فرص العمل غير المباشرة للشباب، حيث تم طرح 500 ألف فرصة عمل سنويًا خلال السنوات الأخيرة.
سلبيات المقاطعة
وقد أشار رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إلى أن الدولار سوف يتأثر تأثرًا كبيرًا بالمقاطعة لأن تلك الشركات التي تقوم عليها المقاطعة من المصادر المهمة في إدخال الدولار للدولة.
ومن أهم السلبيات التي واجهت الشركات الكبرى من المقاطعة تأثيرها على العمالة، إذ تم تخفيض عدد كبير من العمالة وتقليل المرتبات، وهو ما أوضحه لنا علي محمد، العامل في أحد فروع ماكدونالدز، أن الإقبال على المطعم ليس كالسابق، مما أثر على مرتباتهم.
وأضاف علي، أن الطلبات التي تتم عن طريق “الدليفري” ثم يتبرأ منها العميل تعود بالخسارة على الفرع وليس الشركة الأم.
وأيضًا زيادة أسعار المنتجات المحلية كانت ضمن سلبيات المقاطعة، فقد تؤدي زيادة الطلب على المنتجات المحلية إلى ارتفاع أسعارها وانخفاض جودة المنتجات المحلية، مما قد يضطر الشركات المحلية إلى خفض جودة منتجاتها لتلبية الطلب المتزايد، فيضر ذلك بسمعتها ونسبة رضا المستهلكين عن المنتج.
وقد تؤدي المقاطعة كذلك إلى تزايد الاحتكارات، وذلك من خلال زيادة تواجد منتجات الشركات المحلية الكبرى، كما يمكن أيضًا إلغاء أو تأخير الاتفاقيات الاستثمارية، خاصة من قبل الشركات متعددة الجنسيات، وكذلك تسريح العمالة، وقد بدأت بعض الشركات في تخفيض العمالة وإغلاق بعض الفروع وتوقفها عن العمل بالفعل.
إيجابيات المقاطعة
وعلى الرغم من السلبيات التي تم ذكرها، إلا أن للمقاطعة بعض الإيجابيات أيضًا، إذ أنها ساعدت على ظهور عدد من الشركات المحلية في مصر، والتي اتجهت لزيادة المبيعات وطرح منتجات جديدة وتأسيس خطوط إنتاج جديدة لتلبية الطلب المتزايد.
وكانت المقاطعة سببًا في نشاط مبادرة “صنع في مصر” مرة أخرى لدعم المنتج الوطني واستغلال هذا في الترويج للمنتجات المصرية، ومن هذه المنتجات منتج سبيرو سباتس.
سبيرو سباتس
كان التوجه إلى شركات مصرية قديمة لم يتم الإعلان عنها من سنين، خاصة بعد سياسة الانفتاح التي تبناها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في منتصف سبعينيات القرن العشرين، أول إبداعات المصريين في استخدام سلاح المقاطعة.
ومن أبرز الشركات التي اتجه المصريون إليها شركة “سبيرو سباتس”، وهي شركة مياه غازية محلية تحمل اسم مؤسسها (يوناني الجنسية).
كانت سباتس صاحبة الفضل في ظهور أول زجاجة مياه غازية بمصر عام 1920، ويملكها حاليًا 3 أشقاء مصريين ورثوها عن والدهم الذي اشتراها من صاحبها اليوناني عام 1998.

وفي وقت قصير أصبحت الشركة التي لم تكن معروفة تنافس الشركات العالمية الكبري مثل بيبيسي وكوكاكولا، لذلك أعلنت الشركة عن طلبها في تعيين موظفين جُدد، لتلبية رغبتها في توسيع النشاط التجاري بعد الطلب المتزايد على منتجاتها، وبسبب ذلك زاد إنتاج الشركة التي يعمل بها قرابة 60 موظفًا، إلى 3 أضعاف في أقل من شهر، ففتحت باب التوظيف لآلاف الباحثين عن العمل، حتى إن الشركة نشرت بيانًا على صفحتها على فيسبوك يفيد بتلقيها أكثر من 15 ألف سيرة ذاتية.
كما أعلنت الشركة عبر صفحتها الرسمية على «فيس بوك»، عن توسيع نطاق توزيع منتجاتها لتشمل معظم محافظات الجمهورية، وقد أدى ذلك لاحتياجها لمزيد من العاملين، مما دفعها للإعلان عن يوم مفتوح للتوظيف بالشركة.
وقد احتلت مشروبات سبيرو سباتس المصرية المقدِمة في بحث الكثير من المواطنين استجابةً لدعوات المقاطعة باستبدال منتجات بيبسي وكوكاكولا بمنتجات أخرى مصرية وعربية، وارتفعت مبيعاتها بنحو 300% بحد أدنى تقريبًا منذ بداية الاتجاه للمنتج، وهو ما دفع الشركة إلى العمل 24 ساعة طوال الوقت، لتلبية احتياجات السوق.
تطبيق “قضيتي”
وفي مصر تحولت حملة المقاطعة إلى حالة خاصة، حيث أبدع المصريون في ابتكار وسائل للمقاطعة عبر منصات التواصل الاجتماعي وفي الشوارع والأماكن العامة، ومن أهم ابتكارات الشعب المصري في التشجيع على المقاطعة ومعرفة المنتجات والشركات الداعمة لكيان الاحتلال، إصدار تطبيق “قضيتي”.
ففي 27 أكتوبر 2023، قام مجموعة من النشطاء المصريين الذين يعملون في مجال الإلكترونيات، بإصدار تطبيق “قضيتي”، التطبيق المصري الجديد الذي أصبح في أيام معدودة وسيلة المقاطعين في معرفة المنتجات المقاطعة، لأنه يقدم قائمة شاملة لهذه للمنتجات ، وهذا التطبيق يعمل من خلال تحميله على هواتف الأندرويد فقط، وفتحه ثم توجيهه في اتجاه “الباركود” الخاص بالمنتج، ثم تظهر النتيجة إما بالتأكيد على أنه تابع للمقاطعة سواء لكونه تابعًا للاحتلال أو الدول التي تدعم القصف على غزة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، أو أنه غير تابع لهم.
وبشكل عام، فإن المقاطعة يمكن أن تكون أداة فعالة لتشجيع المنتج المحلي وزيادة العمالة بالشركات المحلية، ولكن يجب أن تستخدم بعناية لتجنب الآثار السلبية المحتملة.