النزول للشارع المصري أفضل طريقة للتأثر بالهوية

حوار: عائشة مفتاح- أميرة أحمد- رحمة علاء الدين

«معجون بالشارع المصري».. هكذا يمكننا وصف عمر طاهر الكاتب والصحفي والشاعر، والذي تناولت كتاباته تفاصيل الشارع المصري، بعلاقات أهله الطيبة، وأرصفته التي تحكي أتربتها حكايات هذا البلد، وتقاليد صباحه المصري، وفنونه التي صاغت للعالم معنى الفنون.

ظهرت محاولات عمر طاهر لإظهار التاريخ والهوية المصرية من خلال كتبه، والبرامج، والمقالات، من وجهة نظر مصرية وليس من وجهة نظر من حاولوا تحريفه، ولهذا كان لابد لفريق «إيوان» أن يرى هويته المصرية بعيون عمر طاهر المفتش بكواليس الهوية، وإلى نص الحوار..

بالبداية نود أن تطلعنا على أبرز المؤلفات التي ساهمت في تشكيل الوجدان المصري بالنسبة لك؟

هناك العديد من المؤلفات التي ساهمت في تشكيل الوجدان المصري، وإن كان من أبرزها أشعار العامية المصرية والتي ضمت علامات لا تندثر ومنها: صلاح جاهين، فؤاد حداد، بيرم التونسي، سيد حجاب وعبد الرحيم منصور، أجد كذلك أن كل ما له علاقة بتاريخ مصر الحديث ساهم بدوره في تشكيل الوجدان المصري فالكتابات التاريخية والصحفية، ككتب أ/ أحمد بهاء الدين وكتب صلاح عيسى، وكتب أ/هيكل، بالإضافة إلى المذكرات الخاصة بالشخصيات التي لعبت دور في مصر خلال السنوات الماضية.

من وجهة نظرك؛ ما تأثير حروب القوة الناعمة؛ مثل حركات الأفروسنتريك وغيرها على الهوية المصرية؟

الهوية المصرية معقدة ومتأصلة بشكل كبير، بل أرى أنها أعمق وأقوى من أن تتأثر بتلك الهبات، فالهوية المصرية لم تتأثر بفترات الاحتلال والتي استمرت لسنوات عدة، فما بالك بالهجمات الفكرية النظرية! ولهذا السبب أعتقد أنه لا خوف على الهوية المصرية من تلك الحروب الفكرية الناعمة.

كيف استطاعت مصر الحفاظ على هويتها الوطنية في ظل تعدد فترات الاحتلال التي مرت عليها؟

هوية مصر مخلوطة بمواد حافظة ساهمت في بقائها، فعلاقتنا باللغة الخاصة بنا، وعلاقتنا بثقافاتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتمسكنا بها، كذلك نظرتنا المختلفة للتدين، والأمهات، والأغاني، والنزعة الوطنية، وعلاقتنا بآل البيت، وأيضًا المواسم والأعياد، والأفكار المتوارثة أبًا عن جد، والكثير من التفاصيل التي شكلت ولاتزال تشكل مواد حافظة للهوية المصرية، ومن وجهة نظري تلك المواد هي التي جعلت من مصر مؤثرة في أعدائها وليست متأثرة بهم.

في ضوء حديثك سابقًا عن العامية المصرية؛ هل ترى أن العامية جزء من الهوية المصرية، وهل من الممكن أن يتم توثيق العامية كتراث مصري؟

بالطبع تعتبر العامية جزءًا متأصلًا في هويتنا المصرية، ومن وجهة نظري أنه بالفعل تم توثيقها من خلال الشعر والفن والأدب، وكل ما له علاقة بالفنون التي تصاغ بالعامية المصرية؛ فهذا كله يعتبر توثيقًا للعامية المصرية.

سبق أن تناولت في أحد مقاطع الفيديو الخاصة بك موضوع قصور الثقافة المصرية، هل ترى أن جهود الدولة في الفترات الأخيرة لتعزيز الهوية الوطنية قد أثرت بعض الشيء في إنقاذها؟

في الواقع أجد أن الهوية وتعزيزها لا تعد جزءًا من مشروعات الدولة؛ ولذلك أرى أن الدولة تحتاج لمزيد من الجهود للعمل على تعزيز هويتنا المصرية.

ككاتب وشاعر، أوصف لنا الهوية المصرية في كلمة؟

إنه لمن الصعب جدًا وصف الهوية المصرية بكلمة، بل أجد أنها شبه مستحيلة، فمن الصعب تلخيص شيء مليء بالعناصر والتفاصيل كالتاريخ والأحداث والأزمان والفنون والعلاقات والطبيعة البشرية؛ وبناء على هذا فمن وجهة نظري تتلخص الهوية المصرية في كلمة “الهوية المصرية”.

كتاب “صنايعية مصر” يدلل على حياة بعض بناة مصر في العصر الحديث؛ ما دافعك لتأليف هذا النوع من الأدب خصوصًا في مصر؟

أهم دافع للعمل على “صنايعية مصر” بالنسبة لي كان الفضول، فلدي فضول كبير لتتبع مسيرة الأشخاص الذين لعبوا دورًا كبيرًا في تشكيل التفاصيل الصغيرة في حياتي اليومية، فكوني مواطن مصري جعلني نشأت على استخدام كوبري أكتوبر، وتعطرت بكولونيا 555، وتعودت التحلية بشكولاتة كورونا، وكذلك شربت سجائر كليوباترا، واستمعت لإذاعة القرآن الكريم، واحتفلت بالسادس من أكتوبر. كلها تفاصيل في حياتي اليومية كان وراؤها أشخاص أردت التعرف عليهم، ومعرفة كيف استطاعوا حفر آثارهم التي شكلت جزءً كبيرًا من هويتي وثقافتي وشخصيتي.

ما أبرز الصعوبات التي تواجهك عند تتبع تاريخ حياة شخصية ما لتكتب عنها؟

تعاني مصر من بعض المشكلات في التوثيق والأرشفة، فنجد أن الكثيرين لا يلتفتون لتوثيق وأرشفة عناصر التاريخ المصري، ولعل تلك هي المشكلة الأبرز التي واجهتني عند تتبع تاريخ حياة شخصية ما، “بنوثق في المتوثق، وبنأرشف في المتأرشف”، فنركز على توثيق تاريخ حياة شخصيات بعينها طوال الوقت، فلا ننظر بعين جديدة، ولا نتبع طرق جديدة لاقتحام التاريخ وتفكيك عناصره وشخصياته وأحداثه غير المتداولة أو الشائعة.

من وجهة نظرك، ما أبرز الأغنيات التي نجحت في التعبير عن الشخصية المصرية؟

لأنني ذكرت مرارًا أن الهوية المصرية تحديدًا عبارة عن الكثير من التفاصيل المتشابكة، فهناك أشكال مختلفة من الغناء عبرت عن الهوية المصرية، فمثلًا الغناء الصعيدي، وغناء الحرف، كغناء الصيادين والعمال والبناة، كذلك الغناء الشعبي، وأيضًا تجربة أم كلثوم، تجربة أخرى كتجربة الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم، كلها تجارب غنائية تصب في الهوية المصرية وتساهم في تشكيلها.

في رأيك، ما الذي تحتاجه منظومة التعليم لمساعدة الطالب المصري في التعرف على الهوية المصرية؟

تحتاج منظومة التعليم في مصر إلى تنظيم مشروع على صلة كبيرة بالهوية المصرية، وليس مجرد نشاط على هامش الدراسة، كالرحلات، أو مجرد موضوع تعبير نكلف به الطالب، أو أفكار نقترحها في أوقات الفراغ، بل يجب أن يكون تعريف الطالب بهويته المصرية هو جزء من المنهج الأساسي الذي يضعه الطالب أمام ناظره عند الدراسة والمذاكرة، وعند العمل على المشروعات وتقديم الأفكار، لابد أن تكون تلك الخطوات كافة لها علاقة بالهوية وفهمها والعمل عليها، ورؤيتها في كل عمل يتم القيام به داخل البلد.

ما أفضل وصفة تقدم للأجيال القادمة من أجل الحفاظ على الهوية المصرية؟

أفضل طريقة للتعرف على الهوية المصرية من وجهة نظري هي النزول لحنايا الشارع المصري ومشاهدة البلد بعيون واقعية، بعيدًا عما حصره فيها الإنترنت ووسائل التواصل والبرامج. بل إن أفضل وصفة لتذوق الهوية المصرية هي أن تنزل بنفسك للشارع، استقل قطاراتها ومواصلاتها، زُر أقاليمها، تعامل مع شعبها بمختلف طبقاته، استمع لأغنياتها، زُر مواقع مختلفة بها من سوق السمك لمواقع البناء للموانئ، والمصانع لأسواق الخضروات، فمهما شاهدت عبر البرامج والفنون فلن تتأثر بتلك الهوية المصرية إلا إذا تذوقتها من داخل الشارع المصري.